للدكتور / فهد بن حمود العنزي Dr_fahadAlanazi@
أحدثكم اليوم عن موضوع قانوني، كان للتأمين فيه دورا غير مباشر،وساعد في صياغة فلسفة خاصة بالتعويض وأركان المسؤولية المدنية. في هذه التغريدات سأذكر حقيقةً مهمة وهي أن التطور الذي وصل إليه القانون كان موجودا في فقه الشريعة الإسلامية منذ قرون.
المسؤولية المدنية في القانون قائمة على الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما. فالخطأ هو انحراف عن السلوك المعتاد. والضرر إما يكون ضررا جسديا او أدبيا أو ماديا. وعلاقة السببية هي الرابط بينهما، أي أن الضرر ما كان ليحصل لولا وجود الخطأ. هذه نظرية المسؤولية المدنية باختصار.
هذه النظرية التقليدية الخاصة بالمسؤولية المدنية هي نظرية مقدسة في القانون، وهي من البديهيات التي تقوم عليها فكرة المسؤولية المدنية. فمن يدعي حصول ضرر فعليه إثبات الخطأ الذي تسبب بهذا الضرر، والذي لولاه لما كان قد حصل هذا الضرر.
وبالرغم من قداسة هذه النظرية فقد حصلت حادثة مثلت منعطفا في تاريخ القضاء الفرنسي والذي كان يولي اهتماما كبيرا لهذه النظرية. والحادثة باختصار هو أن أحد العمال الذي كان مسؤولا عن تشغيل آلة في مصنع انفجرت هذه الآلة في وجهه ونتج عنها وفاته فرفعت زوجة العامل قضية تعويض ضد صاحب العمل.
صاحب المصنع طالبها بإثبات خطئه الذي أدى إلى وفاة زوجها العامل. فلم تستطع الزوجة اثبات ذلك لأن الآلة كانت مُصانة وتعمل بشكل طبيعي. وقد وقف القضاء في حيرة من أمره فالضرر موجود وإمكانية إثبات الخطأ بواسطة زوجة العامل غير ممكنة وهنا ابتدع القضاء الفرنسي فكرة قلب (عبء الإثبات).
فكرة قلب عبء الإثبات تقضي بأن زوجة العامل ليس عليها إثبات وجود الخطأ وإنما صاحب العمل هو من يتوجب عليه أن يثبت عدم وجود الخطأ. وقد مثل هذا الاتجاه الجديد تحولا كبيرا في قضايا المسؤولية المدنية لا سيما في قضايا العمل بعد شيوع استخدام الآلة في الانتاج وما نشأ عنها من مضار كبيرة.
ومع ذلك وفي فترات لاحقه نجح بعض أصحاب العمل في الإفلات من التعويض بسبب قدرتهم على ابتكار اساليب قانونية استطاعوا من خلالها إثبات عدم وجود خطأ في الحوادث التي تحصل بسبب استخدام آلات الإنتاج. فاتجه القضاء هذه المرة إلى نبذ فكرة الخطأ وتبني فكرة المسؤولية القائمة على تحمل التبعة.
ما هي فكرة تحمل التبعة أو المخاطر؟ هذه الفكرة تقضي بأن من يستفيد من شيء ما، فيجب أن يتحمل تبعة ما يسببه من أضرار للغير. وهي شبيهة لفكرة(الغُنم بالغرم) في الشريعة.وبهذا التوجه فقد نبذ القضاء الفرنسي فكرة الخطأ لصالح فكرة تحمل التبعة فاصبح الضحية غير مهدد بفكرة إثبات عدم وجود الخطأ
وبالتزامن مع نبذ فكرة الخطأ كشرط لقيام مسؤولية صاحب العمل، فقد حدث تطور كبير في المسؤولية عن حوادث السير في فرنسا والذي ما زالت المسؤولية فيه قائمة على فكرة الخطأ. فقد حدثت قصة غريبة قلبت موازين المسؤولية المدنية في حوادث السيارات.
القصة كالتالي، أن شخصا كان يجلس في سيارته في أحد الشوارع الهادئه مساءا، فمرت من جانبه على الرصيف إمرأة مسنة، وعند تشغيل سيارته فزعت من الصوت وسقطت برأسها على الرصيف فماتت، فرفع الورثة قضية على صاحب السيارة يطالبونه بالتعويض لأنه تسبب في وفاة مورثتهم.
صاحب السيارة استطاع إثبات عدم وجود الخطأ، إذ لو كان ما قام به يمثل خطأً فإن كل من يقوم بتشغيل سيارته قد ارتكب الخطأ ذاته. عندها كان لا بد من نبذ فكرة المسؤولية القائمة على الخطأ والتوجه لفكرة أخرى، وهي الفعل الضار، بمعنى أن كل من يرتكب فعلاً يترتب عليه ضرر للغير يلتزم بالتعويض.
لذلك كان توجه القضاء العام في فرنسا هو تعويض الضرر حتى لو أدى الأمر إلى التنازل عن فكرة الخطأ وحتى لو قامت المسؤولية على مفهوم آخر مثل الفعل والضرر وعلاقة السببية. وتم إستناد مسؤولية السائق عن التعويض لفكرة الفعل الضار وليس الخطأ. فكل فعل سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض.
ما وصل إليه القانون خلال هذا التطور التاريخي هو موجود في الشريعة الاسلامية وفق نظرية دقيقة لضمان تعويض الضرر قائم على فكرة المواجهة بين الفعل والخطأ. فهناك قاعدة شهيرة في الفقه الإسلامي في حال اجتماع المباشر والمتسبب وهي أن( المباشر ضامن وإن لم يتعمد والمتسبب لا يضمن إلا بالتعدي)
هذه النظرية في الفقه الإسلامي حلت إشكالا كبيرا في تحديد المسؤول عن الضرر استنادا إلى قاعدة لا(ضرر ولا ضرار)و(الضرر يُزال)فالضرر هو الأساس،والمسؤولية إما على المباشر أو على المتسبب الذي يكون فعله خاطئاً. وهذا يؤدي إلى عدم إفلات المسؤول عن الضرر من الضمان سواء أكان مباشرا أم متسببا
كما أن شيوع التأمين والتزام شركات التأمين بالتعويض في حال تقرير المسؤولية المدنية على عملائها وفقاً لأي مفهوم، شجع القضاء وما تبعه من تشريعات خاصة بالتعويض بالركون أكثر إلى تعويض الضرر دون الإلتفات إلى فكرة الخطأ والذي يصعب اثباته على عكس حالة الفعل الذي يسهل اثبات حصوله.
ففي حادثة السيارة ووفاة المسنة، يصعب إثبات الخطأ، ولكن يسهل جدا إثبات الفعل الذي تسبب بالضرر وهو تشغيل السيارة. وهذا ما يدعونا إلى التفكير في بعض الجوانب التي ما زلنا نشترط فيها حصول الخطأ كشرط للتعويض وتحديدا في مسؤولية الطبيب في حال حصول ضرر للمريض. او مايسمى بالخطأ الطبي
فاشتراط إثبات خطأ الطبيب للحصول على التعويض هو أمر في غاية الصعوبة، في حين أن الضرر حاصل ومُشاهد بالفعل. ومع وجود تأمين إلزامي على الاطباء فالأولى هو استحقاق التعويض بمجرد حصول الضرر. وأن يكون الإثبات متعلقا فقط بحصول الفعل الضار، أي الممارسة الطبية نفسها. #كل_يوم_معلومة_عن_التأمين
المصدر / رابط
يقدم مكتب MUSTSHARIK للأعمال القانونية والضريبية المشورة والدعم القانوني في كافة المنازعات التجارية التي تنشأ بين التجار، وكذلك الدعاوى المقامة على التاجر في منازعات العقود التجارية.. ويأتي ذلك ضمن الخدمات المقدمة للعملاء من خلال باقات MUSTSHARIK للأعمال القانونية والضريبية.. ندعوك لمعرفة المزيد عن الخدمات المتاحة في الباقات من خلال هذا الرابط: باقات MUSTSHARIK